الثلاثاء 29 جمادى الأولى 1445 الموافق 29 يوليو 2024
عبد الواحد استيتو
و من منا لا يريد النجاح ؟
ستستغرب لو قلت لك إن الكثيرين جدًا بيننا لا يريدون النجاح، بـل ويرغبون في الفشل وربما لا يدركون ذلك. في داخلهم خوف مبهم من النجاح لذا تجدهم يفضلون دائمًا الوقوف خلف (الحيطان). عقلهم الباطن رافض – وبشدة- لفكرة النجاح وما يتبعها من مسؤوليات ومحافظة على هذا النجاح.
لذا اسأل نفسك بصدق: كم مرة أردت الفشل وبررت ذلك بمئات الأعذار الواهية ؟
ضع ورقة أمامك واكتب الجواب، واحرص على أن تكون وحيدا وعلى أن يكون الجو هادئاً، وغالبًا ما تتوفر هذه الشروط ليلاً أو في الصباح الباكر.
أكرر: كن صادقًا مع نفسك، فالاعتراف بالأخطاء هو أول خطوة نحو القضاء على هذه الأخطاء.
ستكتشف – وأنت تجيب – أنك كثيرًا ما رفضت عروضًا وتجنبت أخرى، وفررت من ثالثة مدعيًا أن هذه لا تناسبك، وأن الأخرى راتبها قليل، وأن الثالثة لا وقت لديك للتفرغ إليها .
هذه مجرد أمثلة بالطبع لما قد تكون عليه إجاباتك، لكن الفرق الآن أنك تدرك أنك كنت " مدعيا " و لم تكن أسبابك حقيقية في تجنب الفرص التي أتيحت لك.
إن إرادة الفشل تغزو بسرعة كبيرة العقل الذي لا يمتلأ بالرغبة المتوقدة في النجاح. إنّ النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، و إن لم تملأها بإرادة النجاح وجدت إرادة الفشل تحل بدلا عنها، إن عقلك الباطن لا يميز بين الصالح والطالح، وهو كالمغناطيس يجذب كل ما يحيط به، والمشكلة أنك قد تكون في غفلة من ذلك، بينما كم هائل من المشاعر السلبية تجتاح عقلك الباطن، والعكس صحيح؛ فكلما داومت على مجالسة الناجحين والمتفائلين وكنت في بحث دائم عن كل ما يثير حماستك للعمل والنجاح؛ فإنك ستجد آلاف الأشياء التي لها علاقة بالنجاح تأتي إليك طوعًا منجذبة بقوة العقل الباطن الذي وصفناه بأنه: مغناطيس.
إن ذبذبات الفشل تمر من عقل إلى آخر بسرعة كبيرة، والشخص الذي لا يكف عن الحديث معك عن الجرائم وعن الإحباطات وعن الأوضاع البائسة التي لن تتحسن سيجعلك بعد لحظات تفكر بنفس تفكيره، وستجد سحابة من الكآبة والحزن تجتاحك دون أن تدري لماذا، والحقيقة الثابتة أن المؤثرات السلبية تترك أثرًا هدامًا في النفس لا مناص منه سوى بالهروب منه وكأنه مرض خطير ومعدٍ.
إن الراغبين في الفشل -على عكس ما قد يتخيل البعض- كثيرون وهم ثرثارون وقادرون على تبرير رغبتهم في الفشل .
أعرف شخصًا عرض عليه منصب مميز في شركة كبيرة، ورغم أنه كان بطاليا وقتها إلا أنه رفض العرض متعللاً بعدة أسباب تثير الشفقة في الحقيقة، كان يقول :
القطاع الخاص غير مضمون بالمرة، إنهم قادرون على طردك متى عنّ لهم ذلك، كما أنهم يعاملون الموظفين كالعبيد ويهضمون حقوقهم..، أنا أريد العمل في القطاع العام.
إن الجبن هو رفيق الفشل، وهو يتدخل في أحايين كثيرة ليقطع عليك طريق النجاح أو العمل، لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجبن في الدعاء المأثور:
"اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والهم الغم والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال".
إن صديقنا الذي رفض العرض لو كان صادقًا مع نفسه لقال قولاً آخر:
أنا خائف من هذا العمل لأنه مسؤولية وأنا عاجز عن تحملها، كما أنني خائف من عدم قدرتي على شغل هذا المنصب كما ينبغي، كما أنني أخشى أن ينهروني إن أخطأت.
عزة النفس المبالغ فيها أيضًا قد تكون من الأسباب الخفية للرغبة في الفشل، فكم من واحد أضاع فرصة عمل ممتازة لمجرد أنه يخشى أن يراه الناس وهو في موقف لا يريدهم أن يروه فيه.
ألم يكن أولى بصاحبنا السابق أن يتوكل على الله وينطلق في العمـــل ويقول لنفسه:
أنا لها، وسأكون كفئًا لهذا المنصب، وسأجعل المسؤولين يرضون عني ولن يكون بإمكانهم الاستغناء عني لما سأقدمه من عمل جـاد وأمانــة وتفوق في مجالي.
فحتى لو افترضنا أن كل المساوئ التي ذكرها في بادئ الأمر صحيحة فإنه سيغيرها إن فكر بالطريقة الأخيرة، فالإنسان هو ما يعتقد في نفسه. فإن ظننت أنك غير كفء لن تكون كفئًا، وإن اعتقدت أنك ستنجح في عملك فستنجح حتمًا لأنك واثق من ذلك.
إن الإيحاء يلعب دورًا قويًا في التغلب على الفشل وتوابعه، فنحن لا ننتظر من شخص يقول عن نفسه "إنه فاشل" أن يصبح ناجحًا أو متفوقًا، هذه معادلة مستحيلة التحقيق.
والعكس صحيح، فلو أقنعت نفسك أنك ناجح وقوي ومقدام فستصبح كذلك بالفعل.
لكن كيف يتحقق ذلك ؟
سيتحقق بعمل واحد: اقهر مخاوفك، حاربها، اعتبرها عدوك الذي يريد أن يطرحك أرضًا. ولا بأس أن تردد لنفسك عكس ما تظنه فيها. مثلا لو كنت تعتقد أنك شخص جبان؛ فردد بينك وبين نفسك: "أنا شجاع" رددها وأنت تنفذ العمل الذي كان يثر اقتحامه المخاوف في نفسك، رددها وأنت مؤمن بها .قد تجد صعوبة في بادئ الأمر لكنك – وأنت تلاحظ النتائج – ستستلذ التجربة، وستمارسها مع كل عيوبك الأخرى حتى تقهرها بإذن الله.
1. وخير مثال على مبدأ الإيحاء هذا هو الصلاة، فأنت تردد في كل ركعة سورة الفاتحة التي تجدد بها حمدك لله، وتؤكـد عبادتـك لله واستعانتك به ثم تدعو بالهداية، فحتى لو حدث ووقعت في معصية أو ضعف إيمانك جاءت الصلاة التالية لتردد فيها ما سبق ذكره فيستقر في قلبك وعقلك وتؤمن به. لهذا يقول الله سبحانه وتعالى: " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" [ العنكبوت الآية 45].
والغريب في الأشخاص الذين يرغبون في الفشل أنهم يبذلون مجهودًا أكثر من غيرهم الراغبين في النجاح، فتجد أحدهم يبذل مجهودًا جبارًا في عمل تافه لا عائد له من ورائه، ماديًا كان أو معنويًا، تاركاً وراءه أشغاله الهامة، فتجده يلهث و ينظر في ساعته و يعقـد مواعيـد ويتحرك هنـا وهناك، ولو سألته ما نتيجة كل هذا لأخرسته. إنه نوع من التهرب من عمل بعمل آخر كنوع من إقناع النفس بأن صاحبها يعمل فعلاً وأنه ليس كلاًّ على أحد، مع أن العكس هو الصحيح طبعًا ،حيث نجد هذا النوع من الأشخاص يقبض مصروفه من شخص آخر أو يستدين .
على أن هذا لا يشفع له؛ لأنه غالبًا سيعاني من الاكتئاب ومن الحيرة عندما يجد أنه أضاع وقتًا طويلاً ومجهودًا كبيرًا ثم قبض على الريح في الأخير.
والنوع الآخر من الراغبين في الفشل هو النوع اللامبالي الذي يقضي وقته في تجرع الخمور وتدخين المخدرات والتسكع في الشوارع معتبرًا ذلك نوعًا من التمرد على الواقع، وتجده يسب ويلعن الأوضاع التي لا ذنب لها في الواقع، إنما هي إرادته الضعيفة ورغبته في الفشل التي يمتزج كرهه لها وضعفه أمامها فيشكلان ذاك التقاعس والكسل اللذين يكونان من سمات كل شخص فاشل.
أعرف شخصًا من هذا النوع، لقد كان هذا الشخص بطاليًا وقضى سنوات طويلة يعاني بشدة من بطالته هذه ويلعنها، لكن و بمجرد ما لاحت له فرصة عمل عرضها عليه أحد الأصدقاء حتى بدأ يتهرب و يحاول أن يختلق آلاف الأعذار لرفضه، و لم يفلح كل هذا في جعل صديقه يتخلى عنه، وبدأ يأتي إليه في المنزل ويطرق بابه ويذكره بضرورة الحضور لتسلم عمله. وهنا تتضح لنا جلية إرادة الفشل: لقد بدأ صاحبنا يشتكي من صديقه ويقول إنه يريد أن يرغمه على فعل شيء لا يريده، وذلك لرغبة خفية في نفسه. هكذا آثر صاحبنا جلوسه اليومي في المقهى وسلبيته على الخوض في غمار الحياة ورفع شعار التحدي والنجاح، ولم يكتف بهذا بل إنه لام صديقه لأنه يريد أن يخرجه من براثن البطالة. هل نجد لهذا الشخص عذرًا آخر سوى أنه يريد أن يبقى واقفًا مكانه لا يحرك ساكنًا ؟ هل لهذا من وصف آخر سوى أنه "يريد الفشل" ؟
وأضع للقارئ في آخر هذا الفصل مقارنة قام بها علماء النفس توضح لنا جليًا الفرق بين تفكير شخص يريد النجاح و آخر يريد الفشل :
فالذي يريد النجاح :
ـ يلتزم بتعهداته.
ـ يدرس المشاكل التي تواجهه جيداً.
ـ يحترم غيره من المتفوقين ويسعى للتعلم منهم.
ـ يعرف متى تكون المواجهة ومتى تقبل الحلول الوسط.
ـ يشعر بالمسؤولية حتى خارج نطاق دائرته.
ـ لا يتهيب كثيراً من الإخفاق أو الخسارة.
ـ قنوع ويسعى نحو الأفضل.
ـ يفضل احترام الناس لمواقفه على حبهم لشخصه وإن كان يسعى لتحقيق كليهما.
ـ يعترف بأخطائه إن أخطأ.
ـ يعبر عن اعتذاره بتصحيح الخطأ.
ـ دؤوب في عمله ويوفّر الوقت.
ـ يتحرك بخطى محسوبة.
ـ يتمتع بثقة في النفس تجعله دمثاً.
ـ يوضح الأمور ويفسرها.
ـ يبحث عن سبل أفضل للعمل.
ـ دائم البحث والتنقيب وحب الاستطلاع.
أما الذي يريد الفشل فــ :
ـ يُطلق الوعود جزافاً.
ـ يلف ويدور حول المشكلة ولا يواجهها.
ـ يمقت الناجحين ويترصد مثالبهم.
ـ يرضى بالحلول الوسط في الأمور الأساسية ويواجه في الأمور الفرعية التي لا تستحق المواجهة.
ـ لا يهتم إلا بمحيط عمله الضيق فقط.
ـ يتوجّس في قرارة نفسه من النجاح.
ـ يتبجح بأن هناك من هم أسوأ منه حالاً بكثير.
ـ يسعى لاكتساب محبة الناس لشخصه أكثر من إعجابهم بمواقفه ومستعد أن يتحمل بعض الازدراء ثمناً لذلك.
ـ يتنكر للخطأ قائلاً: هذه ليست غلطتي أنا.
ـ يعتذر ثم يعيد ارتكاب نفس الخطأ.
ـ كسول ومضيع للوقت.
ـ يتحرك بسرعتين فقط: سرعة جنونية وأخرى بطيئة جداً.
ـ يفتقر إلى الدماثة، فهو إما أن يكون خنوعاً وإما مستبداً على التوالي.
ـ يغلف الأمور ويشوشها.
ـ يتحفز للكلام بلا هوادة.
ـ مقلد، ويتبع الروتين باستمرار.
ـ بليد ومثبط للعزائم.
نخلص في هذا الفصل إلى أن الفشل شيء كريه ومقزز، ومن الفطرة أن يريد المرء الفلاح سواء دنيا وآخره ، وعلى العكس من ذلك فالنجاح ممتع و لذيذ و يزيد من ثقة المرء بنفسه ويجعله ينظر إلى الحياة دائما بمنظار وردي متفائل وعقلاني في نفس الوقت
الثلاثاء 29 جمادى الأولى 1445 الموافق 29 يوليو 2024
عبد الواحد استيتو
و من منا لا يريد النجاح ؟
ستستغرب لو قلت لك إن الكثيرين جدًا بيننا لا يريدون النجاح، بـل ويرغبون في الفشل وربما لا يدركون ذلك. في داخلهم خوف مبهم من النجاح لذا تجدهم يفضلون دائمًا الوقوف خلف (الحيطان). عقلهم الباطن رافض – وبشدة- لفكرة النجاح وما يتبعها من مسؤوليات ومحافظة على هذا النجاح.
لذا اسأل نفسك بصدق: كم مرة أردت الفشل وبررت ذلك بمئات الأعذار الواهية ؟
ضع ورقة أمامك واكتب الجواب، واحرص على أن تكون وحيدا وعلى أن يكون الجو هادئاً، وغالبًا ما تتوفر هذه الشروط ليلاً أو في الصباح الباكر.
أكرر: كن صادقًا مع نفسك، فالاعتراف بالأخطاء هو أول خطوة نحو القضاء على هذه الأخطاء.
ستكتشف – وأنت تجيب – أنك كثيرًا ما رفضت عروضًا وتجنبت أخرى، وفررت من ثالثة مدعيًا أن هذه لا تناسبك، وأن الأخرى راتبها قليل، وأن الثالثة لا وقت لديك للتفرغ إليها .
هذه مجرد أمثلة بالطبع لما قد تكون عليه إجاباتك، لكن الفرق الآن أنك تدرك أنك كنت " مدعيا " و لم تكن أسبابك حقيقية في تجنب الفرص التي أتيحت لك.
إن إرادة الفشل تغزو بسرعة كبيرة العقل الذي لا يمتلأ بالرغبة المتوقدة في النجاح. إنّ النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، و إن لم تملأها بإرادة النجاح وجدت إرادة الفشل تحل بدلا عنها، إن عقلك الباطن لا يميز بين الصالح والطالح، وهو كالمغناطيس يجذب كل ما يحيط به، والمشكلة أنك قد تكون في غفلة من ذلك، بينما كم هائل من المشاعر السلبية تجتاح عقلك الباطن، والعكس صحيح؛ فكلما داومت على مجالسة الناجحين والمتفائلين وكنت في بحث دائم عن كل ما يثير حماستك للعمل والنجاح؛ فإنك ستجد آلاف الأشياء التي لها علاقة بالنجاح تأتي إليك طوعًا منجذبة بقوة العقل الباطن الذي وصفناه بأنه: مغناطيس.
إن ذبذبات الفشل تمر من عقل إلى آخر بسرعة كبيرة، والشخص الذي لا يكف عن الحديث معك عن الجرائم وعن الإحباطات وعن الأوضاع البائسة التي لن تتحسن سيجعلك بعد لحظات تفكر بنفس تفكيره، وستجد سحابة من الكآبة والحزن تجتاحك دون أن تدري لماذا، والحقيقة الثابتة أن المؤثرات السلبية تترك أثرًا هدامًا في النفس لا مناص منه سوى بالهروب منه وكأنه مرض خطير ومعدٍ.
إن الراغبين في الفشل -على عكس ما قد يتخيل البعض- كثيرون وهم ثرثارون وقادرون على تبرير رغبتهم في الفشل .
أعرف شخصًا عرض عليه منصب مميز في شركة كبيرة، ورغم أنه كان بطاليا وقتها إلا أنه رفض العرض متعللاً بعدة أسباب تثير الشفقة في الحقيقة، كان يقول :
القطاع الخاص غير مضمون بالمرة، إنهم قادرون على طردك متى عنّ لهم ذلك، كما أنهم يعاملون الموظفين كالعبيد ويهضمون حقوقهم..، أنا أريد العمل في القطاع العام.
إن الجبن هو رفيق الفشل، وهو يتدخل في أحايين كثيرة ليقطع عليك طريق النجاح أو العمل، لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجبن في الدعاء المأثور:
"اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والهم الغم والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال".
إن صديقنا الذي رفض العرض لو كان صادقًا مع نفسه لقال قولاً آخر:
أنا خائف من هذا العمل لأنه مسؤولية وأنا عاجز عن تحملها، كما أنني خائف من عدم قدرتي على شغل هذا المنصب كما ينبغي، كما أنني أخشى أن ينهروني إن أخطأت.
عزة النفس المبالغ فيها أيضًا قد تكون من الأسباب الخفية للرغبة في الفشل، فكم من واحد أضاع فرصة عمل ممتازة لمجرد أنه يخشى أن يراه الناس وهو في موقف لا يريدهم أن يروه فيه.
ألم يكن أولى بصاحبنا السابق أن يتوكل على الله وينطلق في العمـــل ويقول لنفسه:
أنا لها، وسأكون كفئًا لهذا المنصب، وسأجعل المسؤولين يرضون عني ولن يكون بإمكانهم الاستغناء عني لما سأقدمه من عمل جـاد وأمانــة وتفوق في مجالي.
فحتى لو افترضنا أن كل المساوئ التي ذكرها في بادئ الأمر صحيحة فإنه سيغيرها إن فكر بالطريقة الأخيرة، فالإنسان هو ما يعتقد في نفسه. فإن ظننت أنك غير كفء لن تكون كفئًا، وإن اعتقدت أنك ستنجح في عملك فستنجح حتمًا لأنك واثق من ذلك.
إن الإيحاء يلعب دورًا قويًا في التغلب على الفشل وتوابعه، فنحن لا ننتظر من شخص يقول عن نفسه "إنه فاشل" أن يصبح ناجحًا أو متفوقًا، هذه معادلة مستحيلة التحقيق.
والعكس صحيح، فلو أقنعت نفسك أنك ناجح وقوي ومقدام فستصبح كذلك بالفعل.
لكن كيف يتحقق ذلك ؟
سيتحقق بعمل واحد: اقهر مخاوفك، حاربها، اعتبرها عدوك الذي يريد أن يطرحك أرضًا. ولا بأس أن تردد لنفسك عكس ما تظنه فيها. مثلا لو كنت تعتقد أنك شخص جبان؛ فردد بينك وبين نفسك: "أنا شجاع" رددها وأنت تنفذ العمل الذي كان يثر اقتحامه المخاوف في نفسك، رددها وأنت مؤمن بها .قد تجد صعوبة في بادئ الأمر لكنك – وأنت تلاحظ النتائج – ستستلذ التجربة، وستمارسها مع كل عيوبك الأخرى حتى تقهرها بإذن الله.
1. وخير مثال على مبدأ الإيحاء هذا هو الصلاة، فأنت تردد في كل ركعة سورة الفاتحة التي تجدد بها حمدك لله، وتؤكـد عبادتـك لله واستعانتك به ثم تدعو بالهداية، فحتى لو حدث ووقعت في معصية أو ضعف إيمانك جاءت الصلاة التالية لتردد فيها ما سبق ذكره فيستقر في قلبك وعقلك وتؤمن به. لهذا يقول الله سبحانه وتعالى: " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" [ العنكبوت الآية 45].
والغريب في الأشخاص الذين يرغبون في الفشل أنهم يبذلون مجهودًا أكثر من غيرهم الراغبين في النجاح، فتجد أحدهم يبذل مجهودًا جبارًا في عمل تافه لا عائد له من ورائه، ماديًا كان أو معنويًا، تاركاً وراءه أشغاله الهامة، فتجده يلهث و ينظر في ساعته و يعقـد مواعيـد ويتحرك هنـا وهناك، ولو سألته ما نتيجة كل هذا لأخرسته. إنه نوع من التهرب من عمل بعمل آخر كنوع من إقناع النفس بأن صاحبها يعمل فعلاً وأنه ليس كلاًّ على أحد، مع أن العكس هو الصحيح طبعًا ،حيث نجد هذا النوع من الأشخاص يقبض مصروفه من شخص آخر أو يستدين .
على أن هذا لا يشفع له؛ لأنه غالبًا سيعاني من الاكتئاب ومن الحيرة عندما يجد أنه أضاع وقتًا طويلاً ومجهودًا كبيرًا ثم قبض على الريح في الأخير.
والنوع الآخر من الراغبين في الفشل هو النوع اللامبالي الذي يقضي وقته في تجرع الخمور وتدخين المخدرات والتسكع في الشوارع معتبرًا ذلك نوعًا من التمرد على الواقع، وتجده يسب ويلعن الأوضاع التي لا ذنب لها في الواقع، إنما هي إرادته الضعيفة ورغبته في الفشل التي يمتزج كرهه لها وضعفه أمامها فيشكلان ذاك التقاعس والكسل اللذين يكونان من سمات كل شخص فاشل.
أعرف شخصًا من هذا النوع، لقد كان هذا الشخص بطاليًا وقضى سنوات طويلة يعاني بشدة من بطالته هذه ويلعنها، لكن و بمجرد ما لاحت له فرصة عمل عرضها عليه أحد الأصدقاء حتى بدأ يتهرب و يحاول أن يختلق آلاف الأعذار لرفضه، و لم يفلح كل هذا في جعل صديقه يتخلى عنه، وبدأ يأتي إليه في المنزل ويطرق بابه ويذكره بضرورة الحضور لتسلم عمله. وهنا تتضح لنا جلية إرادة الفشل: لقد بدأ صاحبنا يشتكي من صديقه ويقول إنه يريد أن يرغمه على فعل شيء لا يريده، وذلك لرغبة خفية في نفسه. هكذا آثر صاحبنا جلوسه اليومي في المقهى وسلبيته على الخوض في غمار الحياة ورفع شعار التحدي والنجاح، ولم يكتف بهذا بل إنه لام صديقه لأنه يريد أن يخرجه من براثن البطالة. هل نجد لهذا الشخص عذرًا آخر سوى أنه يريد أن يبقى واقفًا مكانه لا يحرك ساكنًا ؟ هل لهذا من وصف آخر سوى أنه "يريد الفشل" ؟
وأضع للقارئ في آخر هذا الفصل مقارنة قام بها علماء النفس توضح لنا جليًا الفرق بين تفكير شخص يريد النجاح و آخر يريد الفشل :
فالذي يريد النجاح :
ـ يلتزم بتعهداته.
ـ يدرس المشاكل التي تواجهه جيداً.
ـ يحترم غيره من المتفوقين ويسعى للتعلم منهم.
ـ يعرف متى تكون المواجهة ومتى تقبل الحلول الوسط.
ـ يشعر بالمسؤولية حتى خارج نطاق دائرته.
ـ لا يتهيب كثيراً من الإخفاق أو الخسارة.
ـ قنوع ويسعى نحو الأفضل.
ـ يفضل احترام الناس لمواقفه على حبهم لشخصه وإن كان يسعى لتحقيق كليهما.
ـ يعترف بأخطائه إن أخطأ.
ـ يعبر عن اعتذاره بتصحيح الخطأ.
ـ دؤوب في عمله ويوفّر الوقت.
ـ يتحرك بخطى محسوبة.
ـ يتمتع بثقة في النفس تجعله دمثاً.
ـ يوضح الأمور ويفسرها.
ـ يبحث عن سبل أفضل للعمل.
ـ دائم البحث والتنقيب وحب الاستطلاع.
أما الذي يريد الفشل فــ :
ـ يُطلق الوعود جزافاً.
ـ يلف ويدور حول المشكلة ولا يواجهها.
ـ يمقت الناجحين ويترصد مثالبهم.
ـ يرضى بالحلول الوسط في الأمور الأساسية ويواجه في الأمور الفرعية التي لا تستحق المواجهة.
ـ لا يهتم إلا بمحيط عمله الضيق فقط.
ـ يتوجّس في قرارة نفسه من النجاح.
ـ يتبجح بأن هناك من هم أسوأ منه حالاً بكثير.
ـ يسعى لاكتساب محبة الناس لشخصه أكثر من إعجابهم بمواقفه ومستعد أن يتحمل بعض الازدراء ثمناً لذلك.
ـ يتنكر للخطأ قائلاً: هذه ليست غلطتي أنا.
ـ يعتذر ثم يعيد ارتكاب نفس الخطأ.
ـ كسول ومضيع للوقت.
ـ يتحرك بسرعتين فقط: سرعة جنونية وأخرى بطيئة جداً.
ـ يفتقر إلى الدماثة، فهو إما أن يكون خنوعاً وإما مستبداً على التوالي.
ـ يغلف الأمور ويشوشها.
ـ يتحفز للكلام بلا هوادة.
ـ مقلد، ويتبع الروتين باستمرار.
ـ بليد ومثبط للعزائم.
نخلص في هذا الفصل إلى أن الفشل شيء كريه ومقزز، ومن الفطرة أن يريد المرء الفلاح سواء دنيا وآخره ، وعلى العكس من ذلك فالنجاح ممتع و لذيذ و يزيد من ثقة المرء بنفسه ويجعله ينظر إلى الحياة دائما بمنظار وردي متفائل وعقلاني في نفس الوقت